قد يكون من المستغرب أن يأتي الإتفاق على إنتخاب رئيس جمهورية لبناني، في وقت تشهد فيه المنطقة نوعاً من خلط أوراق غير مسبوق، تحت عنوان الحرب على الإرهاب المتمثل بتنظيم "داعش" وحده، دون سواه من الجماعات المتحالفة مع "القاعدة"، مثل جبهة "فتح الشام"، أي جبهة "النصرة" سابقاً، بانتظار المجهول المقبل من نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية.
على هذا الصعيد، تطرح الأسئلة التي لا تزال الأجوبة عنها غامضة، أبرزها متعلق بكيفية الوصول إلى إتفاق محلي بين المرشح المحسوب على المحور الإيراني، أي رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، ومن يوصف بأنه ممثل السياسة السعودية على الساحة اللبنانية، أي رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، لكن هذا لا يمنع مقاربة الواقع الإقليمي الذي قد يعيد خلط الأوراق من جديد، حتى ولو كان ذلك بعد الإنتخابات الرئاسية.
في هذا السياق، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية قررت ترحيل كافة الملفّات إلى ما بعد إستحقاقها الداخلي، باستثناء إطلاق معركة تحرير الموصل العراقية، من دون أن تتضح الصورة التي ستكون عليها في المستقبل، فالخلافات لا تزال طاغية على العلاقة بين مختلف الأفرقاء، محلياً وإقليمياً، وهو ما ظهر من خلال الأخذ والرد بين بغداد وأنقرة على خلفية إصرار الحكومة التركية على المشاركة في الحرب على "داعش"، في وقت ترغب فيه القوى المحلية أيضاً باللعب في الوقت الضائع، لا سيما قوات "الحشد الشعبي"، المدعومة من طهران، التي قررت الذهاب نحو فتح معركة غرب الموصل، لمنع عناصر "داعش" الفارين من المدينة من الوصول إلى الأراضي السورية، مع العلم أن مشاركة هذه القوات في المعركة لم تكن محل ترحيب لدى العديد من الأفرقاء العراقيين.
بالنسبة إلى الساحة السورية، ينبغي التوقف عند كلام وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر عن أن معركة الرقة باتت قريبة، وأنها قد تتداخل مع الهجوم الحالي على مدينة الموصل، حيث أن واشنطن التي قيل أنها قررت عدم القيام بأي خطوة جدية على صعيد تقديم الدعم إلى فصائل المعارضة المسلحة التي تصنفها "معتدلة"، نتيجة مشاورات حصلت داخل الإدارة الحالية التي تفضل ترك الملف إلى خليفتها، قد تقوم بخطوة تصعيدية في المناطق السورية الشمالية والشرقية، التي باتت في الآونة الأخيرة محط تركيز لدى المسؤولين العسكريين الأميركيين.
في هذا الوقت، وجدت بعض الدولة الأوروبية، لا سيما فرنسا وبريطانيا، أن الفرصة سانحة أمامها لرفع سقف المواجهة، وهو ما ظهر بشكل جلي عبر مشاريع القرارات الأممية التي تقدمت بها باريس بشأن مدينة حلب، في حين ذهب وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون إلى الإعلان أن بلاده تعمل على تدريب دفعة جديدة من المعارضة السورية بهدف قتال "داعش"، مع العلم أن لندن تملك قاعدة عسكرية عند المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، بالقرب من معبر التنف، وظيفتها تدريب وتسليح فصائل "جيش سوريا الجديد"، وتقديم مختلف أشكال الدعم لها.
وفي حين لا يبدو أن روسيا قررت إنتظار الإنتهاء من الإنتخابات الأميركية أيضاً، من الضروري السؤال عن إمكانية إطلاقها أي حملة عسكرية نحو المناطق الشمالية والشرقية في سوريا، أي مدينتي الرقة ودير الزور، لمنع واشنطن من إستغلال إنشغالها في مدينة حلب، في وقت تتعاظم فيه الأطماع التركية في الشمال السوري، عبر الحديث عن إطلاق معركة نحو مدينتي الباب ومنبج.
بالنسبة إلى أنقرة، المتسلحة بدعم من الدول الخليجية، اليوم هناك فرصة ذهبية لإستعادة أراض تعتبرها من إرث "السلطنة العثمانية"، وهي تريد إستغلالها إلى أبعد الحدود من خلال عملية "درع الفرات" في الشمال السوري، في حين تُصر على حفظ دور لها في العراق، لا يقف من حيث المبدأ على الموصل بل يشمل أيضاً مدينة كركوك الغنية بالنفط، وهي سبق لها على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان أن فتحت الباب أمام إعادة النظر باتفاقية لوزان، لكنها تصطدم بمواقف كل من بغداد ودمشق وطهران، فرئيس الوزراء العراقي يرفض أي دور لها في بلاده، في وقت لم تكتف ببيانات الإستنكار والإدانة، بل ذهبت إلى إستهداف فصائل "الجيش السوري الحر" المتحالفة مع أنقرة، والهدف الرئيسي منعها من التقدم نحو الباب.
في المحصلة، بات من شبه المؤكد أن لبنان سيشهد إنتخاب رئيس للجمهورية، يوم الإثنين المقبل، في لحظة تبدو فيها الأوضاع في المنطقة مفتوحة على جملة واسعة من الإحتمالات، فهل يعيد الواقع الإقليمي خلط الأوراق المحلية من جديد في المرحلة المقبلة ولو كان ذلك من دون فراغ على مستوى الرئاسة؟